طرق تعزيز القراءة لدى الأطفال وجعلها عادة يومية

اكتب واربح

طرق تعزيز القراءة لدى الأطفال وجعلها عادة يومية راسخة

تُعتبر القراءة بوابة الطفل نحو عوالم لا حصر لها من المعرفة والخيال، وهي مهارة أساسية لا تُقدّر بثمن تُسهم في نموه العقلي والعاطفي واللغوي. إن غرس حب القراءة في نفس الطفل منذ الصغر وتحويلها إلى عادة يومية يُعد استثمارًا في مستقبله، يفتح له آفاقًا واسعة ويُكسبه أدوات ضرورية للنجاح في الحياة. فمع انتشار الملهيات الرقمية وتحديات العصر، بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نُولي اهتمامًا خاصًا لتشجيع أطفالنا على القراءة. ولكن، تحقيق هذا الهدف يتطلب استراتيجية مدروسة ومُفعمة بالصبر والمرح.
 
يُمكنك تحقيق النجاح في جعل القراءة جزءًا لا يتجزأ من حياة طفلك من خلال تهيئة بيئة مُحفزة، وجعل تجربة القراءة ممتعة ومُثرية، ودمجها بذكاء في الروتين اليومي، واختيار الكتب المناسبة، والأهم من ذلك، التحلي بالصبر والمثابرة كقدوة مُلهمة.

أولاً: تهيئة بيئة مُشجعة على القراءة

تتمثل الخطوة الأولى في خلق جو عام في المنزل يحتفي بالكتب ويُسهّل الوصول إليها. البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورًا محوريًا في تشكيل اهتماماته وعاداته. إليك بعض الأفكار العملية:
  1. اجعل الكتب في متناول اليد: خصص ركنًا هادئًا ومريحًا للقراءة في المنزل، زوده بإضاءة جيدة ووسائد مريحة. ضع رفوف كتب منخفضة يسهل على الطفل الوصول إليها بنفسه في غرفة نومه أو غرفة المعيشة. اترك بعض الكتب والمجلات المناسبة لعمره في أماكن متفرقة بالمنزل.
  2. كن أنت القدوة: الأطفال يتعلمون بالتقليد أكثر من أي شيء آخر. احرص على أن يراك طفلك وأنت تقرأ بانتظام، سواء كانت كتبًا، صحفًا، أو مجلات. تحدث عن الكتب التي تقرأها وعن متعتك بها. هذا يُرسل رسالة قوية بأن القراءة نشاط ممتع ومُقدّر في الأسرة.
  3. حدّد وقت الشاشات: على الرغم من أهمية التكنولوجيا، إلا أن الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية (التلفاز، الأجهزة اللوحية، الهواتف) يسرق الوقت الثمين الذي يمكن تخصيصه للقراءة. ضع قواعد واضحة لأوقات استخدام الشاشات وشجع على الأنشطة البديلة، وعلى رأسها القراءة.
  4. زيارة المكتبات ومتاجر الكتب: اجعل زيارة المكتبة العامة أو متجر الكتب نشاطًا عائليًا ممتعًا ومنتظمًا. اسمح لطفلك باستكشاف الكتب واختيار ما يثير اهتمامه. الاشتراك في المكتبة يفتح له بابًا واسعًا للوصول إلى كنوز من الكتب المتنوعة مجانًا.
  5. الاحتفاء بالكتب كهدايا: قدم الكتب كهدايا في المناسبات المختلفة (عيد ميلاد، نجاح دراسي، أعياد). هذا يُعزز قيمة الكتاب في نظر الطفل ويربطه بالمناسبات السعيدة.
بعد تهيئة البيئة المناسبة، يصبح الطفل أكثر استعدادًا وتقبلاً للانغماس في عالم القراءة، فالوصول السهل للكتب ورؤية الأهل كقدوة قارئة هما حجر الزاوية.

ثانياً: جعل تجربة القراءة ممتعة وجذابة

لا يكفي توفير الكتب، بل يجب أن تكون تجربة القراءة نفسها ممتعة ومُحفزة للطفل. الهدف هو ربط القراءة بمشاعر إيجابية كالفرح والاكتشاف والمغامرة.
  1. القراءة بصوت عالٍ وبشكل تفاعلي: اقرأ لطفلك بصوت عالٍ بانتظام، حتى بعد أن يتعلم القراءة بنفسه. استخدم نبرات صوت مختلفة للشخصيات، وقم بتغيير تعابير وجهك وحركات جسدك. توقف لطرح الأسئلة ("ماذا تعتقد سيحدث بعد ذلك؟") أو لمناقشة الصور والأحداث. هذا يجعل القصة تنبض بالحياة.
  2. اختيار الكتب المناسبة لاهتمامات الطفل: اكتشف ما هي المواضيع التي تثير فضول طفلك (ديناصورات، فضاء، حيوانات، مغامرات، أبطال خارقون؟) وابحث عن كتب تدور حول هذه الاهتمامات. عندما يقرأ الطفل عن شيء يحبه، يصبح أكثر حماسًا وتفاعلاً.
  3. التنويع في أشكال القراءة: لا تحصر القراءة في الكتب التقليدية فقط. استخدم الكتب المصورة، القصص المصورة (الكوميكس)، المجلات المخصصة للأطفال، الكتب التفاعلية التي تحتوي على أجزاء متحركة أو أصوات، وحتى الكتب الصوتية (الأوديو بوك) التي يمكن الاستماع إليها في السيارة أو أثناء اللعب الهادئ.
  4. ربط القراءة بالأنشطة الحياتية: اقرأ وصفة طعام معًا ثم قوما بتحضيرها، اقرأ دليل استخدام لعبة جديدة، اقرأ لافتات الشوارع أثناء التنزه، ابحثوا عن معلومات حول مكان ستزورونه. هذا يُظهر للطفل أن القراءة مهارة عملية ومفيدة في الحياة اليومية.
  5. لا للضغط والإجبار: تجنب تحويل القراءة إلى واجب مدرسي أو مهمة إلزامية ثقيلة. لا تضغط على الطفل لإنهاء كتاب لا يستمتع به. اسمح له باختيار ما يريد قراءته (ضمن حدود المعقول). الهدف هو بناء علاقة حب مع الكتب، لا علاقة قائمة على الإكراه.
عندما تصبح القراءة تجربة ممتعة ومليئة بالتفاعل والمرح، سيتوق الطفل إليها بنفسه بدلًا من اعتبارها عبئًا.

ثالثاً: دمج القراءة في الروتين اليومي

لكي تصبح القراءة عادة راسخة، يجب أن تجد لها مكانًا ثابتًا ومنتظمًا في جدول الطفل اليومي المزدحم. الاتساق هو المفتاح.
  1. وقت القراءة قبل النوم: تُعتبر قراءة قصة قبل النوم طقسًا رائعًا يهدئ الطفل ويساعده على الاسترخاء، كما أنه يوفر وقتًا خاصًا للتواصل بينك وبينه بعيدًا عن ضغوط اليوم. اجعل هذا الوقت مقدسًا قدر الإمكان.
  2. استغلال أوقات الانتظار والتنقل: احتفظ بكتاب أو اثنين في حقيبتك أو في السيارة لاستغلال أوقات الانتظار (في عيادة الطبيب، في وسائل النقل، قبل بدء الأنشطة). حتى دقائق القراءة القليلة تتراكم وتصنع فرقًا.
  3. تخصيص وقت للقراءة العائلية: حدد وقتًا منتظمًا (ولو مرة في الأسبوع) يجلس فيه جميع أفراد الأسرة معًا للقراءة بهدوء، كل يقرأ كتابه الخاص. هذا يعزز الشعور بأن القراءة نشاط عائلي مشترك ومهم.
  4. تشجيع القراءة المستقلة: مع نمو الطفل، شجعه على القراءة بمفرده لفترات قصيرة تزداد تدريجيًا. وفر له مساحة هادئة ومريحة لذلك.
  5. ربط القراءة بالمكافآت (بحذر): يمكن استخدام أنظمة مكافآت بسيطة في البداية (مثل ملصقات أو جدول تجميع نقاط) لتشجيع القراءة المنتظمة، ولكن يجب أن يكون التركيز دائمًا على المتعة الجوهرية للقراءة نفسها، وليس فقط على المكافأة الخارجية.
دمج القراءة في الروتين اليومي بشكل طبيعي وغير مُتكلف يساعد على ترسيخها كعادة مستمرة ومحببة للطفل.

رابعاً: اختيار الكتب المناسبة بعناية

إن اختيار الكتاب المناسب لعمر الطفل ومستواه القرائي واهتماماته يلعب دورًا حاسمًا في نجاح عملية تعزيز القراءة. كتاب صعب جدًا قد يسبب الإحباط، وكتاب بسيط جدًا قد يسبب الملل.
  • مراعاة المرحلة العمرية والمستوى القرائي: تأكد من أن حجم الخط، عدد الكلمات في الصفحة، تعقيد الجمل، والموضوع العام للكتاب يتناسب مع عمر طفلك وقدراته القرائية الحالية. ابدأ بكتب بسيطة وتدرج في الصعوبة.
  • التنويع في الأنواع والمواضيع: عرّض طفلك لأنواع مختلفة من الكتب: قصص خيالية، قصص واقعية، كتب معلوماتية (غير خيالية)، شعر، سير ذاتية مبسطة. هذا يوسع مداركه ويساعده على اكتشاف تفضيلاته.
  • البحث عن كتب ذات رسائل إيجابية وقيم بناءة: اختر كتبًا تعزز القيم الأخلاقية الحميدة مثل الصداقة، الأمانة، الشجاعة، التعاطف، احترام التنوع والاختلاف.
  • إشراك الطفل في عملية الاختيار: اصطحب طفلك للمكتبة أو متجر الكتب ودعه يشارك في اختيار الكتب التي يرغب في قراءتها. عندما يشعر الطفل بأن له دورًا في الاختيار، يكون أكثر حماسًا للقراءة.
  • الاستفادة من التوصيات والمراجعات: ابحث عن توصيات للكتب المناسبة لعمر طفلك من مصادر موثوقة مثل أمناء المكتبات، المعلمين، مواقع مراجعات كتب الأطفال، أو حتى من الأصدقاء وأولياء الأمور الآخرين.
لا تنس أن الهدف الأساسي هو العثور على كتب تلامس شغف الطفل وتجعله يرغب في قراءة المزيد والمزيد.

خامساً: الصبر والمثابرة في مواجهة التحديات

إن رحلة غرس حب القراءة لدى الطفل ليست دائمًا سهلة وقد تواجه بعض العقبات. قد يكون الطفل مترددًا في البداية، أو قد يمر بفترات يفقد فيها اهتمامه بالقراءة. هنا يأتي دور الصبر والمثابرة.

تذكر دائمًا أن كل طفل يختلف عن الآخر ويتطور بوتيرته الخاصة. لا تقارن طفلك بأقرانه أو بإخوته. احتفل بكل خطوة صغيرة يخطوها في عالم القراءة، سواء كانت قراءة صفحة واحدة أو إنهاء كتاب قصير. قدم التشجيع المستمر والدعم غير المشروط. إذا واجه الطفل صعوبة في القراءة، حاول فهم السبب بهدوء وقدم المساعدة اللازمة دون لوم أو توبيخ. قد تحتاج أحيانًا إلى استشارة معلم أو أخصائي إذا كنت تشك في وجود صعوبات تعلم محددة.

الأهم هو الحفاظ على جو إيجابي ومحب حول القراءة. استمر في توفير الفرص، وكن القدوة الحسنة، واجعل القراءة تجربة ممتعة. بالصبر والمحبة والمتابعة المستمرة، ستتمكن من مساعدة طفلك على اكتشاف سحر القراءة وجعلها صديقته الدائمة.

في النهاية، يمكن القول بأن تعزيز عادة القراءة لدى الأطفال يتطلب مزيجًا من تهيئة البيئة المناسبة، جعل التجربة ممتعة، دمجها في الروتين، اختيار الكتب بعناية، والأهم من كل ذلك، التحلي بالصبر والمثابرة وتقديم القدوة الحسنة.

تحلّى بالصبر والمثابرة كوالد مُلهم

تحلّى بالصبر والمثابرة هما مفتاحا النجاح في رحلة غرس حب القراءة لدى طفلك. ففي عالم مليء بالمُغريات الرقمية والملهيات السريعة، يتطلب بناء عادة قراءة راسخة وقتًا وجهدًا وتفهمًا. قد لا ترى النتائج فورًا، وقد يمر الطفل بفترات فتور، وهذا أمر طبيعي تمامًا.
  • الصبر على التطور التدريجي.
  • الاستمرارية في المحاولة والتجريب.
  • التفاني في توفير الدعم والتشجيع.
  • تجاوز لحظات الإحباط (لديك ولدى الطفل).
  • الثقة بقدرة طفلك على التعلّم وحب المعرفة.
  • الصمود في وجه الملهيات والتحديات.
  • الاحتفال بالإنجازات الصغيرة وتقديرها.
تذكر شيئًا مهمًا جدًا: غرس حب القراءة هو استثمار طويل الأمد في مستقبل طفلك، وليس سباقًا قصير المدى. قد تواجه تحديات، وقد تشعر بالإرهاق أحيانًا، لكن استمرارك في تقديم القدوة وتوفير الفرص هو النجاح الحقيقي. تذكر أيضًا أن الاستمرارية في حد ذاتها نجاح، وأن كل دقيقة قراءة تقضيانها معًا هي كنز ثمين.
 لذا، لا تتردد في مواجهة التحديات التي قد تعترض طريقك في رحلة تشجيع طفلك على القراءة، وتذكر دائمًا أن صبرك ومثابرتك وحبك هي الأدوات الأقوى التي تملكها لبناء قارئ شغوف ومُحب للمعرفة مدى الحياة.
 
الخاتمة: في النهاية، يمكن القول بأن استراتيجيات تعزيز القراءة لدى الأطفال وجعلها عادة يومية تتطلب توازنًا دقيقًا بين توفير البيئة المناسبة، وجعل التجربة ممتعة، ودمجها في الروتين، واختيار المحتوى الجيد. يجب أن يكون الوالدان أو مقدمو الرعاية متحمسين وملتزمين بهذه المهمة النبيلة، مع الاستمرار في التعلم والتكيف مع احتياجات الطفل المتغيرة. كما يجب أن يفهموا جيدًا أهمية القدوة الحسنة وأن يقدموا للطفل تجربة قراءة ثرية وجذابة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تبني استراتيجيات مرنة ومُحببة بعيدًا عن الضغط والإجبار. باستخدام الصبر والمحبة والإبداع، يمكن تحقيق نتائج مذهلة في بناء علاقة قوية ودائمة بين الطفل والكتاب، مما يفتح له أبواب المستقبل على مصراعيها.   

استمتعت بهذه المقالة؟ ابق على اطلاع من خلال الانضمام إلى نشرتنا الإخبارية!

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لنشر تعليق.

مقالات ذات صلة