على حافة الهاوية: هل تدفع أزمة كشمير الهند وباكستان النوويتين نحو حرب شاملة؟
ما أشعل فتيل الأزمة الأخيرة هو الهجوم الدموي الذي شنه مسلحون في الشطر الهندي من إقليم كشمير يوم الثلاثاء الماضي. هجوم استهدف مدنيين في منتجع سياحي، وخلف وراءه عشرات الضحايا، كان كافيًا لإطلاق سلسلة من ردود الفعل المتصاعدة من الجانبين، دفعت بالتوترات إلى مستويات خطيرة لم نشهدها منذ فترات طويلة. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن، ويقض مضاجع المراقبين والمجتمع الدولي: هل تسير نيودلهي وإسلام أباد بخطوات متسارعة نحو مواجهة عسكرية قد تكون لها عواقب كارثية، ليس فقط على البلدين، بل على الاستقرار الإقليمي والدولي؟
في هذا المقال، سنتناول تفاصيل هذا التصعيد الأخير، ونستعرض الإجراءات التي اتخذها كل جانب، ونحلل المخاطر الكامنة في هذا الموقف الملبد بالغيوم، وخاصة في ظل امتلاك البلدين للسلاح النووي، الذي يضع أي صراع محتمل في خانة التهديد الوجودي.
شرارة الأزمة: الهجوم الدموي في باهالغام
في منتجع باهالغام السياحي الجميل في الشطر الهندي من كشمير، تحولت الأجواء الهادئة إلى مسرح لمأساة مروعة يوم الثلاثاء. هجوم مسلح أسفر عن مقتل 26 شخصًا على الأقل من المدنيين، ليصبح الهجوم الأكثر حصداً للأرواح على مدنيين في هذا الإقليم منذ العام 2000 (حسب البيانات المتاحة في التقارير الأولية).
لم تعلن أي جهة مسؤوليتها الفورية عن الهجوم. ومع ذلك، فإن إقليم كشمير يشهد تمرداً مسلحاً مستمراً منذ عام 1989، حيث تسعى جماعات مختلفة إما للاستقلال عن الهند أو الاندماج مع باكستان التي تسيطر على جزء أصغر من المنطقة وتطالب بالسيادة عليها بالكامل، كما تفعل الهند. وفي ظل هذا السياق، لم تتأخر نيودلهي في توجيه الاتهام.
ردود الفعل الهندية: تهديدات قوية وإجراءات تصعيدية
كان الرد الهندي على الهجوم سريعاً وحاسماً، وظهرت ملامحه في تصريحات قوية وإجراءات عملية فورية:
- تهديدات رئيس الوزراء: جاءت تصريحات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي شديدة اللهجة، متعهداً بملاحقة جميع المسؤولين عن الهجوم ومن يدعمهم "إلى أقاصي الأرض". لم يكتفِ بالتهديد، بل أضاف مودي أن "إرادة 1,4 مليار هندي ستكسر شوكة هؤلاء الإرهابيين"، مشيراً إلى أنهم "سيدفعون الثمن حتماً"، وأن الوقت قد حان "لتدمير" أي مساحة ضئيلة من الأرض يملكونها. هذه التصريحات تُفهم على أنها إشارة واضحة إلى إمكانية استهداف قواعد أو داعمين للمسلحين خارج الأراضي الهندية، ربما في باكستان، وهو ما يمثل تصعيداً مباشراً.
- إشارة إلى تورط خارجي: ألمح وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري بوضوح إلى "تورط عبر الحدود" في الهجوم، وهو ما يتماشى مع الرواية الهندية الدائمة بتحميل باكستان مسؤولية دعم الجماعات المسلحة التي تنشط في كشمير الهندية.
- إجراءات انتقامية متعددة: لم تقتصر الإجراءات الهندية على التهديدات اللفظية. اتخذت نيودلهي خطوات عملية تصعيدية شملت:
- طلب مغادرة الباكستانيين: دعت الهند جميع المواطنين الباكستانيين المتواجدين على أراضيها إلى مغادرتها بحلول 29 أبريل.
- تعليق معاهدة نهر إندوس: قرار صادم بتعليق العمل بمعاهدة تقاسم مياه نهر إندوس التي تعود لستة عقود مضت. يمثل هذا الإجراء تصعيداً خطيراً للغاية، حيث يتعلق بمورد حيوي للمياه بالنسبة لباكستان، ويعتبر مساساً بأحد أهم الاتفاقيات الثنائية بين البلدين.
- إغلاق المعبر البري الوحيد: أغلقت الهند المعبر البري الوحيد المفتوح مع باكستان، مما يقطع أحد قنوات الاتصال والتجارة القليلة المتبقية بين البلدين.
- تخفيض البعثة الدبلوماسية وسحب الملحقين العسكريين: قررت الهند سحب ملحقيها العسكريين من إسلام أباد وتخفيض حجم الموظفين في بعثتها الدبلوماسية إلى 30 شخصاً فقط من أصل 55.
ردود الفعل الباكستانية: تعليق الاتفاقيات وتحذير من "عمل حربي"
لم تقف باكستان مكتوفة الأيدي أمام الإجراءات الهندية، بل ردت بإجراءات مماثلة وتصريحات قوية:
- إجراءات متبادلة: ردت باكستان بطرد دبلوماسيين هنود وتعليق التأشيرات الممنوحة للمواطنين الهنود. كما دعت المستشارين العسكريين الهنود إلى مغادرة البلاد بحلول 30 أبريل، وهو إجراء مقابل للإجراء الهندي.
- تعليق التجارة وإغلاق الحدود والمجال الجوي: أعلنت باكستان تعليق كافة العمليات التجارية مع الهند، وأغلقت الحدود والمجال الجوي أمام الحركة مع جارتها. هذه الإجراءات تزيد من العزلة المتبادلة وتعمق الأزمة.
- التهديد بـ "عمل حربي": كان التحذير الباكستاني الأكثر خطورة هو التأكيد على أن أي محاولة من جانب الهند لإغلاق إمدادات نهر إندوس ستعتبر "عملاً حربياً". هذا يضع معاهدة تقاسم المياه في قلب الأزمة ويهدد بتحويلها إلى شرارة صراع مباشر.
- تعليق الاتفاقيات الثنائية والتحذير من المساس بالسيادة: أعلن مجلس الأمن الباكستاني تعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع نيودلهي، مشدداً على أنه سيتخذ إجراءات صارمة إذا تم المساس بسيادة البلاد. هذا يغلق تقريباً جميع قنوات التعاون الرسمية بين البلدين.
- تهديد وزير الدفاع: أكد وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، أنه في حال شنت الهند أي هجمات، فإن باكستان سترد بقوة وأن الهند "ستدفع الثمن".
- التصعيد العسكري المباشر: تبادل إطلاق النار على خط السيطرة
لم يقتصر التصعيد على التصريحات والإجراءات الدبلوماسية والتجارية. مساء يوم الخميس، شهد خط السيطرة (Line of Control - LoC) الذي يقسم إقليم كشمير بين البلدين، تبادلاً لإطلاق النار بين القوات الهندية والباكستانية.
أفادت مصادر عسكرية هندية بأن الجيش الهندي رد بفعالية على إطلاق نار من الجانب الباكستاني استهدف بعض المواقع الهندية. وفي المقابل، أكد مسؤول إداري باكستاني كبير وقوع تبادل لإطلاق النار خلال الليل على طول الخط الفعلي للسيطرة. على الرغم من أن التقارير الأولية لم تشر إلى وقوع إصابات بين المدنيين، إلا أن هذا التبادل لإطلاق النار يمثل مستوى جديداً وخطراً من التصعيد، حيث انتقل الموقف من الحرب الكلامية والإجراءات السياسية إلى المواجهة العسكرية المباشرة، وإن كانت محدودة حتى الآن.
كشمير: قلب الصراع النابض
تظل قضية كشمير هي الجرح المفتوح الذي ينزف في العلاقات الهندية الباكستانية منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. يطالب كلا البلدين بالسيادة الكاملة على الإقليم، وهو مقسم حالياً بينهما بخط السيطرة غير المحدد قانونياً كحدود دولية. يعيش في الإقليم غالبية مسلمة، ويشهد الشطر الهندي منه تمرداً مسلحاً منذ عام 1989، تتهم نيودلهي إسلام أباد بدعمه، وهو ما تنفيه باكستان باستمرار. هذا الصراع المستمر، والهجمات التي يشنها المسلحون، والردود العسكرية والقمعية من الجانب الهندي، والتوترات الحدودية المتكررة، تشكل حلقة مفرغة من العنف وعدم الاستقرار، تتحول بين الحين والآخر إلى أزمات مفتوحة كما يحدث الآن.
شبح السلاح النووي: الخطر الأكبر
ما يجعل هذا التصعيد الأخير مختلفاً وأكثر خطورة من الأزمات السابقة هو الخلفية النووية لكل من الهند وباكستان. كلاهما دولتان تمتلكان قدرات نووية معلنة، ولديهما صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. أي صراع عسكري واسع النطاق بينهما يحمل في طياته مخاطر هائلة ومروعة لتحول الصراع التقليدي إلى تبادل نووي، حتى لو كان محدوداً في البداية. عواقب مثل هذا التبادل ستكون كارثية وغير مسبوقة، ليس فقط على البلدين وسكان المنطقة، بل على المناخ العالمي والنظام البيئي بأكمله. إن وجود السلاح النووي يجب أن يكون رادعاً للحرب، لكنه في نفس الوقت يجعل من أي تصعيد، حتى لو بدأ صغيراً، تهديداً وجودياً.
مسار التصعيد: من الهجوم إلى حافة المواجهة
يمكن تتبع مسار التصعيد الحالي كالتالي:
الهجوم في كشمير: الشرارة الأولية.
الاتهام الهندي: تحميل باكستان المسؤولية بشكل مباشر أو غير مباشر.
التهديدات اللفظية القوية: من رئيسي وزراء ووزراء خارجية البلدين.
الإجراءات الدبلوماسية الانتقامية: طرد الدبلوماسيين وتخفيض البعثات.
الإجراءات الاقتصادية والتجارية: إغلاق الحدود وتعليق التجارة.
تهديد الموارد الحيوية: تعليق معاهدة المياه والتحذير الباكستاني برد "عمل حربي".
الاحتكاك العسكري المباشر: تبادل إطلاق النار على خط السيطرة.
هذا المسار يوضح كيف أن كل خطوة تقود إلى الخطوة التالية في حلقة مفرغة من التصعيد، تزيد من احتمالية سوء التقدير والانزلاق نحو مواجهة عسكرية غير مقصودة، أو حتى مخطط لها.
ماذا بعد؟ سيناريوهات مفتوحة ومخاطر جسيمة
الموقف الحالي بالغ التعقيد ويحمل سيناريوهات متعددة، كلها مثيرة للقلق:
المزيد من التصعيد المحدود: قد يستمر تبادل إطلاق النار على خط السيطرة، وقد تلجأ الهند إلى ضربات محدودة تستهدف ما تعتبرها "قواعد للإرهابيين" خارج حدودها. هذا السيناريو يحمل خطر الخروج عن السيطرة في أي لحظة.
صراع عسكري أوسع: السيناريو الأكثر قتامة هو الانزلاق إلى صراع عسكري تقليدي واسع النطاق، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام احتمالية استخدام الأسلحة النووية.
التهدئة والبحث عن مخرج: السيناريو الأقل ترجيحاً في ظل اللهجة الحالية، ولكنه المأمول، هو تدخل أطراف دولية لتهدئة الموقف، أو أن يدرك الجانبان خطورة الوضع وضرورة العودة إلى قنوات الحوار، وإن كانت محدودة حالياً.
إن زيارة قائد الجيش الهندي للشطر الهندي من كشمير يوم الجمعة لمراجعة الترتيبات الأمنية وزيارة موقع الهجوم تشير إلى جدية الاستعدادات الهندية، وتزيد من احتمالات اتخاذ إجراءات عسكرية.
خلاصة: ضرورة الحذر والحكمة
إن الوضع بين الهند وباكستان حالياً على حافة الهاوية. الهجوم في كشمير كان الشرارة، لكن الأزمة الحقيقية هي التوترات العميقة الجذور والصراع على إقليم كشمير. الإجراءات المتصاعدة والتهديدات المتبادلة بين دولتين نوويتين تخلق مناخاً بالغ الخطورة.
إن تجنب الحرب ليس مجرد خيار دبلوماسي، بل هو ضرورة حتمية بالنظر إلى العواقب المروعة لأي مواجهة نووية. يتطلب الموقف الحالي أقصى درجات الحذر وضبط النفس من الجانبين، والبحث عن أي قنوات ممكنة لخفض التصعيد، حتى لو كان ذلك صعباً في ظل المناخ الحالي. على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في الضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات وتجنب ما قد يكون كارثة إقليمية وعالمية. الأمل يظل معلقاً على أن تسود الحكمة على الانفعال، وأن يتم إدراك أن ثمن الحرب، خاصة بين قوى نووية، لا يمكن لأحد أن يتحمله.
يجب عليك تسجيل الدخول لنشر تعليق.