تأخر المشي عند الأطفال: متى تقلق ومتى تزور الطبيب؟ دليل شامل للآباء
تعد لحظة خطى طفلهم الأولى من أجمل اللحظات وأكثرها ترقبًا في حياة أي والدين. ولكن ماذا لو تأخر طفلكم عن المشي؟ في عالم مليء بالنصائح والمعلومات المتضاربة، قد يشعر الآباء بالقلق حيال نمو أطفالهم الحركي. يهدف هذا المقال الشامل إلى تقديم دليل مفصل حول تأخر المشي عند الأطفال، بدءًا من فهم التطور الطبيعي للمشي، مرورًا بالعوامل التي قد تؤثر على هذا التطور، ووصولًا إلى العلامات التي تستدعي القلق ومتى يجب استشارة الطبيب. سيساعدكم هذا الدليل على التمييز بين التأخر الطبيعي الذي لا يدعو للقلق، والحالات التي قد تتطلب تدخلًا طبيًا.
التطور الطبيعي للمشي: ما هي المراحل الأساسية؟
قبل الخوض في تفاصيل تأخر المشي، من الضروري فهم المسار الطبيعي لتطور المشي عند الأطفال. يمر الأطفال بسلسلة من المراحل الحركية المتتابعة التي تؤهلهم في النهاية للوقوف والمشي. تبدأ هذه المراحل عادة في الشهر السادس تقريبًا وتستمر حتى الشهر الثامن عشر أو حتى بعد ذلك بقليل.
-
الزحف (6-10 أشهر): يبدأ معظم الأطفال بالزحف بين الشهر السادس والعاشر. يتخذ الزحف أشكالًا متعددة، فقد يكون زحفًا على البطن، أو زحفًا رباعيًا على اليدين والركبتين، أو حتى الزحف الخلفي أو الجانبي.
-
الجلوس دون دعم (6-8 أشهر): القدرة على الجلوس دون دعم تعد معلمًا مهمًا، حيث تعزز قوة الجذع وتوازن الطفل.
-
الوقوف مع الدعم (9-12 شهرًا): يبدأ الأطفال عادة في محاولة الوقوف بالاستناد على الأثاث أو أي دعم متاح حول الشهر التاسع.
-
المشي مع الدعم (10-14 شهرًا): بعد إتقان الوقوف، يبدأ الأطفال في التنقل وهم يستندون على الأثاث أو أيدي الكبار، وهي ما يعرف بـ "التجول".
-
المشي المستقل (12-18 شهرًا): في المتوسط، يبدأ معظم الأطفال في المشي بشكل مستقل بين 12 و15 شهرًا. ومع ذلك، من المهم جدًا ملاحظة أن النطاق الطبيعي يمكن أن يمتد حتى 18 شهرًا، بل وحتى 20 شهرًا في بعض الحالات، دون أن يكون ذلك مؤشرًا على مشكلة صحية.
من الضروري تذكر أن هذه المواعيد هي مجرد إرشادات. كل طفل يتطور بوتيرته الخاصة، وهناك تباين كبير بين الأطفال الأصحاء.
ما هو تأخر المشي؟ متى يعتبر تأخرًا؟
يُعرف تأخر المشي بأنه عدم قدرة الطفل على المشي بشكل مستقل بعد إتمامه 18 شهرًا من العمر، أو عدم قدرته على المشي حتى بعد بلوغه 20 شهرًا في بعض التعريفات الأكثر تساهلاً. لا يعني تأخر المشي دائمًا وجود مشكلة خطيرة، ففي كثير من الحالات يكون مجرد تنوع طبيعي في النمو. ومع ذلك، من المهم الانتباه للعلامات الأخرى المصاحبة وتوقيت التأخر.
عوامل تؤثر على تأخر المشي
تتعدد العوامل التي قد تؤثر على سرعة تعلم الطفل للمشي، وقد تكون بعضها طبيعية تمامًا ولا تدعو للقلق، بينما قد يشير بعضها الآخر إلى الحاجة للتقييم الطبي.
1. العوامل الطبيعية وغير المقلقة:
-
الوراثة: إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما قد تأخر في المشي خلال طفولتهما، فمن المرجح أن يتأخر طفلهما أيضًا.
-
المزاج والشخصية: قد يكون بعض الأطفال أكثر حذرًا بطبيعتهم، ويفضلون إتقان المهارات الأخرى قبل تجربة المشي. بينما يكون آخرون أكثر جرأة ومغامرة.
-
الوزن: قد يميل الأطفال ذوو الوزن الزائد إلى التأخر قليلًا في المشي، حيث يتطلب الأمر منهم جهدًا أكبر لحمل أجسادهم.
-
الولادة المبكرة (الخدج): الأطفال الخدج عادة ما يتأخرون في تحقيق المعالم التنموية بما في ذلك المشي. يجب تصحيح العمر الزمني للطفل الخديج عند تقييم تطوره.
-
التركيز على مهارات أخرى: قد يركز بعض الأطفال على إتقان مهارات أخرى مثل الكلام أو المهارات اليدوية، مما يؤخر تعلم المشي قليلًا.
-
قلة الفرص والمساحة: قد يؤثر قلة الوقت الذي يقضيه الطفل على الأرض في اللعب الحر أو عدم توفر مساحة كافية لاستكشاف الحركة على تأخره في المشي.
2. العوامل التي قد تستدعي تقييمًا طبيًا:
-
ضعف العضلات (Hypotonia): قد يعاني بعض الأطفال من ضعف في توتر العضلات (ارتخاء العضلات)، مما يجعلهم يبدون "لينين" وقد يؤثر على قدرتهم على تحمل وزنهم.
-
مشاكل في التوازن: قد تشير مشاكل التوازن إلى وجود خلل في الجهاز الدهليزي أو مشكلة عصبية تؤثر على قدرة الطفل على الحفاظ على استقراره.
-
مشاكل في المفاصل أو العظام: بعض الحالات مثل خلل التنسج الوركي أو القدم الحنفاء قد تؤثر على قدرة الطفل على الوقوف والمشي بشكل سليم.
-
نقص الفيتامينات أو المعادن: نقص فيتامين د الحاد أو الكساح يمكن أن يؤثر على قوة العظام والعضلات، مما يؤخر المشي.
-
الحالات العصبية التنموية: في حالات نادرة، قد يرتبط تأخر المشي بحالات عصبية مثل الشلل الدماغي أو اضطرابات النمو الشاملة، وخاصة إذا كان مصحوبًا بتأخر في مهارات أخرى.
-
مشاكل في الرؤية: قد يؤثر ضعف البصر على ثقة الطفل وقدرته على استكشاف بيئته والتحرك بأمان.
-
الأمراض الوراثية أو الاستقلابية: بعض المتلازمات الوراثية أو الاضطرابات الاستقلابية قد تؤثر على النمو الحركي للطفل.
متى تقلق ومتى تزور الطبيب؟ العلامات التحذيرية
من الطبيعي أن يشعر الآباء بالقلق عندما يلاحظون أن طفلهم يتأخر عن أقرانه في المشي. ومع ذلك، هناك علامات محددة يجب الانتباه إليها، والتي قد تشير إلى ضرورة استشارة الطبيب لتقييم الوضع بشكل أفضل.
متى يجب القلق واستشارة الطبيب:
-
عدم المشي بعد 18 شهرًا: هذه هي القاعدة الذهبية. إذا لم يبدأ طفلكم بالمشي بشكل مستقل بحلول عيد ميلاده الثاني، يجب عليكم زيارة طبيب الأطفال.
-
عدم الزحف أو التحرك بطريقة ما بحلول 12 شهرًا: إذا لم يكن طفلكم يزحف، أو يسحب نفسه للوقوف، أو يتجول مستندًا على الأثاث بحلول عمر 12 شهرًا، فهذا يستدعي التقييم.
-
تأخر في معالم حركية أخرى: إذا كان تأخر المشي مصحوبًا بتأخر في مهارات حركية أخرى، مثل عدم القدرة على الجلوس دون دعم بحلول 9 أشهر، أو عدم القدرة على الوقوف بالدعم بحلول 12 شهرًا.
-
فقدان المهارات المكتسبة: إذا كان طفلكم قد اكتسب مهارة معينة (مثل الزحف أو الوقوف) ثم فقدها، فهذه علامة حمراء تستدعي مراجعة طبية فورية.
-
ضعف في العضلات أو عدم تناسق في الحركة: إذا لاحظتم أن طفلكم يبدو مرتخيًا جدًا، أو أن حركاته غير متناسقة، أو يفضل استخدام جانب واحد من جسمه بشكل مفرط.
-
تأخر في النمو الشامل: إذا كان تأخر المشي مصحوبًا بتأخر في مجالات نمو أخرى مثل اللغة، أو المهارات الاجتماعية، أو المهارات المعرفية.
-
عدم محاولة الطفل للمشي على الإطلاق: إذا كان الطفل لا يبدي أي اهتمام بمحاولة الوقوف أو المشي، حتى مع الدعم.
-
المشي على أطراف الأصابع بشكل مستمر: على الرغم من أن بعض الأطفال يمشون على أطراف الأصابع في البداية، إلا أن الاستمرار في ذلك بعد عمر السنتين أو بشكل حصري قد يكون مؤشرًا على مشكلة.
-
مشاكل واضحة في القدمين أو الساقين: إذا لاحظتم أي تشوهات واضحة في شكل القدمين أو الساقين، أو إذا كانت إحدى الساقين أقصر من الأخرى.
ما الذي سيفعله الطبيب؟
عند زيارة الطبيب، سيقوم بإجراء فحص شامل للطفل، يتضمن:
-
أخذ التاريخ المرضي: يسأل عن تاريخ الولادة، وتطور الطفل السابق، والتاريخ العائلي.
-
الفحص البدني والعصبي: لتقييم قوة العضلات، التوتر العضلي، ردود الفعل، التوازن، وتناسق الحركة.
-
مراقبة حركة الطفل: سيراقب كيف يزحف الطفل، وكيف يسحب نفسه للوقوف، وكيف يحاول المشي.
-
قد يطلب الطبيب بعض الفحوصات: مثل فحوصات الدم، أو الأشعة السينية، أو الإحالة لأخصائيين آخرين (مثل أخصائي العلاج الطبيعي، أو طبيب الأعصاب، أو أخصائي العظام) إذا كانت هناك حاجة لذلك.
كيف يمكن للوالدين مساعدة الطفل على المشي؟
حتى لو كان طفلكم يتطور بوتيرته الخاصة ولا يوجد ما يدعو للقلق، يمكن للوالدين تقديم الدعم والتشجيع لخلق بيئة محفزة للمشي.
-
وقت اللعب على البطن (Tummy Time): منذ الولادة، يساعد وقت اللعب على البطن في تقوية عضلات الرقبة والظهر والكتفين، وهي أساسيات لجميع المهارات الحركية اللاحقة.
-
تشجيع الزحف: الزحف مهارة حيوية لتقوية عضلات الجسم وتنسيقها. لا تضغطوا على الطفل ليتخطى مرحلة الزحف إلى المشي مباشرة.
-
خلق بيئة آمنة ومحفزة: أزيلوا العوائق، وضعوا الأثاث بشكل آمن، وتأكدوا من أن الأرضية نظيفة ومناسبة للحركة.
-
التشجيع والدعم: قوموا بتشجيع الطفل على سحب نفسه للوقوف والمشي بالاستناد على الأثاث. امدوا أيديكم له ليمسك بها ويخطو خطواته الأولى.
-
اللعب الموجه: استخدموا الألعاب المفضلة لديه لتحفيزه على التحرك، مثل وضع اللعبة على مسافة قصيرة منه ليحاول الوصول إليها.
-
التحدث والغناء: شجعوا طفلكم من خلال التحدث إليه والغناء له أثناء محاولاته للتحرك.
-
تجنب المشايات: على الرغم من أن المشايات قد تبدو ممتعة للطفل، إلا أن العديد من الدراسات أثبتت أنها لا تساعد على المشي، بل قد تؤخره في بعض الأحيان وتزيد من خطر الإصابات.
-
السماح بالمشي حافيًا: المشي حافيًا على الأسطح المختلفة (الآمنة والنظيفة) يساعد الطفل على تطوير الإحساس بالقدمين وتحسين التوازن.
-
التحلي بالصبر: تذكروا أن كل طفل فريد. قدموا الدعم والحب، وثقوا في قدرة طفلكم على التعلم في وقته الخاص.
الخلاصة
إن تأخر المشي عند الأطفال هو أمر شائع يثير قلق العديد من الآباء. بينما يتطور معظم الأطفال في حدود العمر الطبيعي للمشي (12-18 شهرًا)، هناك نسبة لا بأس بها منهم قد تتأخر قليلًا دون وجود مشكلة كامنة. المفتاح هو مراقبة تطور الطفل بشكل عام، والانتباه للعلامات التحذيرية التي قد تشير إلى الحاجة للتقييم الطبي. من خلال فهم مراحل التطور الطبيعي، وتهيئة بيئة داعمة، والتحلي بالصبر، يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على اكتساب هذه المهارة الحيوية بثقة وأمان. تذكروا دائمًا، في حال وجود أي شك أو قلق، استشارة طبيب الأطفال هي الخطوة الأفضل والأكثر أمانًا لضمان صحة وسلامة طفلكم.
يجب عليك تسجيل الدخول لنشر تعليق.